فصل: موهوب بن الظافر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء **


 الباب الخامس عشر طبقات الأطباء المشهُورين منْ أطباء الشَام

 أبو نصر الفارابي

هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان مدينته فاراب وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان وكان أبوه قائد جيش وهو فارسي المنتسب وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى الشام وأقام بها إلى حين وفاته وكان رحمه الله فيلسوفاً كاملاً وإماماً فاضلاً قد أتقن العلوم الحكمية وبرع في العلوم الرياضية زكي النفس قوي الذكاء متجنباً عن الدنيا مقتنعاً منها بما يقوم بأوده يسير سيرة الفلاسفة المتقدمين وكانت له قوة في صناعة الطب وعلم بالأمور الكلية منها ولم يباشر أعمالها ولا حاول جزئياتها‏.‏

وحدثني سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي الآمدي أن الفارابي كان في أول أمره ناطوراً في بستان بدمشق وهو على ذلك دائم الاشتغال بالحكمة والنظر فيها والتطلع إلى آراء المتقدمين وشرح معانيها وكان ضعيف الحال حتى إنه كان في الليل يسهر للمطالعة والتصنيف ويستضيء بالقنديل الذي للحارس وبقي كذلك مدة ثم إنه عظم شأنه وظهر فضله واشتهرت تصانيفه وكثرت تلاميذه وصار أوحد زمانه وعلامة وقته واجتمع به الأمير سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد اللَّه بن حمدان التغلبي وأكرمه إكراماً كثيراً وعظمت منزلته عنده وكان له مؤثراً ونقلت من خط بعض المشايخ أن أبا نصر الفارابي سافر إلى مصر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ورجع إلى دمشق وتوفي بها في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة عند سيف الدولة علي بن حمدان في خلافةالراضي صلى عليه سيف الدولة في خمسة عشر رجلاً من خاصته ويذكر أنه لم يكن يتناول من سيف الدولة من جملة ما ينعم به عليه سوى أربعة دراهم فضة في اليوم يخرجها فيما يحتاجه من ضروري عيشه ولم يكن معتنياً بهيئة ولا منزل ولا مكسب ويذكر أنه كان يتغذى بماء قلوب الحملان مع الخمر الريحاني فقط ويذكر أنه كان في أول أمره قاضياً فلما شعر بالمعارف نبذ ذلك وأقبل بكليته على تعلمها ولم يسكن إلى نحو من أمور الدنيا البتة ويذكر أنه كان يخرج إلى الحراس بالليل من منزله يستضيء بمصابيحهم فيما يقرؤه وكان في علم صناعة الموسيقا وعملها قد وصل إلى غاياتها وأتقنها إتقاناً لا مزيد عليه ويذكر أنه صنع آلة غريبة يستمع منها ألحاناً بديعة يحرك بها الانفعالات ويذكر أن سبب قراءته الحكمة أن رجلاً أودع عنده جملة من كتب أرسطوطاليس فاتفق أن نظر فيها فوافقت منه قبولاً وتحرك إلى ونقلت من كلام لأبي نصر الفارابي في معنى اسم الفلسفة قال اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل في العربية وهو على مذهب لسانهم فيلسوفاً ومعناه إيثار الحكمة وهو في لسانهم مركب من فيلا ومن سوفيا ففيلا الإيثار وسوفيا الحكمة والفيلسوف مشتق من الفلسفة وهو على مذهب لسانهم فيلسوفوس فإن هذا التغيير هو تغيير كثير من الاشتقاقات عندهم ومعناه المؤثر للحكمة والمؤثر للحكمة عندهم هو الذي يجعل الوكد من حياته وغرضه من عمره الحكمة وحكى أبو نصر الفارابي في ظهور الفلسفة ما هذا نصه قال إن أمر الفلسفة اشتهر في أيام ملوك اليونانيين وبعد وفاة أرسطوطاليس بالإسكندرية إلى آخر أيام المرأة وأنه لما توفي بقي التعليم بحاله فيها إلى أن ملك ثلاثة عشر ملكاً وتوالى في مدة ملكهم من معلمي الفلسفة اثنا عشر معلماً أحدهم المعروف بأندرونيقوس وكان آخر هؤلاء الملوك المرأة فغلبها أوغسطس الملك من أهل رومية وقتلها واستحوذ على الملك فلما استقر له نظر في خزائن الكتب وصنعها فوجد فيها نسخاً لكتب أرسطوطاليس قد نسخت في أيامه وأيام ثاوفرسطس ووجد المعلمين والفلاسفة قد عملوا كتباً في المعاني التي عمل فيها أرسطو فأمر أن تنسخ تلك الكتب التي كانت نسخت في أيام أرسطو وتلاميذه وأن يكون التعليم منها وأن ينصرف عن الباقي وحكم أندرونيقوس في تدبير ذلك وأمره أن ينسخ نسخاً يحملها معه إلى رومية ونسخاً يبقيها في موضع التعليم بالإسكندرية وأمره أن يستخلف معلماً يقوم مقامه بالإسكندرية ويسير معه إلى رومية فصار التعليم في موضعين وجرى الأمر على ذلك إلى أن جاءت النصرانية فبطل التعليم من رومية وبقي بالإسكندرية إلى أن نظر ملك النصرانية في ذلك واجتمعت الأساقفة وتشاوروا فيما يترك من هذا التعليم وما يبطل فرأوا أن يعلم من كتب المنطق إلى آخر الأشكال الوجودية ولا يعلم مابعده لأنهم رأوا أن في ذلك ضرراً على النصرانية وإن فيما أطلقوا تعليمه ما يستعان به على نصرة دينهم فبقي الظاهر من التعليم هذا المقدار وما ينظر فيه من الباقي مستوراً إلى أن كان الإسلام بعده بمدة طويلة فانتقل التعليم من الإسكندرية إلى أنطاكية وبقي بها زمناً طويلاً إلى أن بقي معلم واحد فتعلم منه رجلان وخرجا ومعهما الكتب فكان أحدهما من أهل حران والآخر من أهل مرو فأما الذي من أهل مرو فتعلم منه رجلان أحدهما إبراهيم المروزي والآخر يوحنا ابن حيلان وتعلم من الحراني إسرائيل الأسقف وقويري وسار إلى بغداد فتشاغل إبراهيم بالدين وأخذ قويري في التعليم وأما يوحنا بن حيلان فإنه تشاغل أيضاً بدينه وانحدر إبراهيم المروزي إلى بغداد فأقام بها وتعلم من المروزي متى بن يونان وكان الذي يتعلم في ذلك الوقت إلى آخر الأشكال الوجودية وقال أبو نصر الفارابي عن نفسه أنه تعلم من يوحنا بن حيلان إلى آخر كتاب البرهان وكان يسمى ما بعد الأشكال الوجودية الجزء الذي لا يقرأ إلى أن قرئ ذلك وصار الرسم بعد ذلك حيث صار الأمر إلى معلمي المسلمين أن يقرأ من الأشكال الوجودية إلى حيث قدر الإنسان أن يقرأ فقال أبو نصر إنه قرأ إلى آخر كتاب البرهان‏.‏

وحدثني عمي رشيد الدين أبو الحسن علي بن خليفة رحمه اللَّه إن الفارابي توفي عند سيف الدولة بن حمدان في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وكان أخذ الصناعة من يوحنا بن حيلان ببغداد في أيام المقتدر وكان في زمانه أبو المبشر متى بن ويونان وكان أسن من أبي نصر وأبو نصر أحد ذهنا وأعذب كلاماً وتعلم أبو المبشر متى من إبراهيم المروزي وتوفي أبو المبشر في خلافة الراضي فيما بين سنة ثلاث وعشرين إلى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وكان يوحنا بن حيلان وإبراهيم المروزي قد تعلما جميعاً من رجل من أهل مرو‏.‏

وقال الشيخ أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني في تعاليقه أن يحىى ابن عدي أخبره أن متى قرأ إيساغوجي على إنسان نصراني وقرأ قاطغورياس بأرمينياس على إنسان يسمى روبيل وقرأ كتاب القياس على أبي يحيى المروزي وقال القاضي صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم إن الفارابي أخذ صناعة المنطق عن يوحنا بن حيلان المتوفي بمدينة السلام في أيام المقتدر فبذ جميع أهل الإسلام فيها وأربى عليهم في التحقق بها فشرح غامضها وكشف سرها وقرب تناولها وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة لطيفة الإشارة منبهة على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعاليم وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمس وأفاد وجوه الانتفاع بها وعرف طرق استعمالها وكيف تصرف صورة القياس في كل مادة منها فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية والنهاية الفاضلة ثم له بعد هذا كتاب شريف في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه ولا ذهب أحد مذهبه فيه لا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه وله كتاب في أغراض فلسفة أفلاطون وأرسطوطاليس يشهد له بالبراعة في صناعة الفلسفة والتحقق بفنون الحكمة وهو أكبر عون على تعلم طريق النظر وتعرف وجه الطلب اطلع فيه على أسرار العلوم وثمارها علماً علماً وبين كيف التدرج من بعضها إلى بعض شيئاً شيئاً ثم بدأ بفلسفة أفلاطون فعرف بغرضه منها وسمى تآليفه فيها ثم أتبع ذلك بفلسفة أرسطوطاليس فقدم له مقدمة جليلة عرف فيها بتدرجه إلى الفلسفة ثم بدأ بوصف أغراضه في تآليفه المنطقية والطبيعية كتاباً كتاباً حتى انتهى به القول في النسخة الواصلة إلينا إلى أول العلم الإلهي والاستدلال بالعلم الطبيعي عليه ولا أعلم كتاباً أجدى على طالب الفلسفة منه فإنه يعرف بالمعاني المشتركة لجميع العلوم والمعاني المختصة بعلم علم منها ولا سبيل إلى فهم معاني قاطيغورياس وكيف هي الأوائل الموضوعة لجميع العلوم إلا منه ثم له بعد هذا في العلم الإلهي وفي العلم المدني كتابان لانظير لهما أحدهما المعروف بالسياسة المدنية والآخر المعروف بالسيرة الفاضلة عرف فيهما بجمل عظيمة من العلم الإلهي على مذهب أرسطوطاليس في مبادئ الستة الروحانية وكيف يؤخذ عنها الجواهر الجسمانية على ما هي عليه من النظام واتصال الحكمة وعرف فيهما بمراتب الإنسان وقواه النفسانية وفرق بين الوحي والفلسفة ووصف أصناف المدن الفاضلة وغير الفاضلة واحتياج المدينة إلى السيرة الملكية والنواميس النبوية‏.‏

أقول وفي التاريخ أن الفارابي كان يجتمع بأبي بكر بن السراج فيقرأ عليه صناعة النحو وابن السراج يقرأ عليه صناعة المنطق وكان الفارابي أيضاً يشعر وسئل أبو نصر من أعلم أنت أم أرسطو فقال لو أدركته لكنت أكبر تلاميذه ويذكر عنه أنه قال قرأت السماع لأرسطو أربعين مرة وأرى أني محتاج إلى معاودته وهذا دعاء لأبي نصر الفارابي قال اللّهم إني أسألك يا واجب الوجود ويا علة العلل قديماً لم يزل أن تعصمني من الزلل وأن تجعل لي من الأمل ما ترضاه لي من عمل الَّهم امنحني ما اجتمع من المناقب وارزقني في أموري حسن العواقب نجح مقاصدي والمطالب يا إله المشارق والمغارب رب الجوار الكنس السبع التي انبجست عن الكون انبجاس الأبهر هنّ الفواعل عن مشيئته التي عمت فضائلها جميع الجوهر أصبحت أرجو الخير منك وأمتري زحلاً ونفس عطارد والمشتري اللَّهم ألبسني حلل البهاء وكرامات الأنبياء وسعادة الأغنياء وعلوم الحكماء وخشوع الأتقياء اللَّهم أنقذني من عالم الشقاء والفناء واجعلني من إخوان الصفاء وأصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصديقين والشهداء أنت اللَّه الإله الذي لا إله إلا أنت علة الأشياء ونور الأرض والسماء امنحني فيضاً من العقل الفعال يا ذا الجلال والإفضال هذب نفسي بأنوار الحكمة وأوزعني شكر ما أوليتني من نعمة أرني الحق حقاً وألهمني اتباعه والباطل باطلاً واحرمني اعتقاده واستماعه هذب نفسي من طينة الهيولى إنك أنت العلة الأولى يا علة الأشياء جمعاً والذي كان به عن فيضه المتفجر رب السموات الطباق ومركز في وسطهن من الثرى والأبحر إني دعوتك مستجيراً مذنباً فاغفر خطيئة مذنب ومقصر هذب بفيض منك رب الكل من كدر الطبيعة والعناصر عنصري اللهم رب الأشخاص العلوية والأجرام الفلكية والأرواح السماوية غلبت على عبدك الشهوة البشرية وحب الشهوات والدنيا الدنية فاجعل عصمتك مجني من التخليط وتقواك حصني من التفريط إنك بكل شيء محيط اللهم أنفذني من أسر الطبائع الأربع وانقلني إلى جنانك الأوسع وجوارك الأرفع اللهم اجعل الكفاية سبباً لقطع مذموم العلائق التي بيني وبين الأجسام الترابية والهموم الكونية واجعل الحكمة سبباً لاتحاد نفسي بالعوالم الإلهية والأرواح السماوية اللهم طهر بروح القدس الشريفة نفسي وأثِر بالحكمة البالغة عقلي وحسي واجعل الملائكة بدلاً من عالم الطبيعة أنسي اللَّهم ألهمني الهدى وثبت إيماني بالتقوى وبغض إلى نفسي حب الدنيا اللَّهم قوِّ ذاتي على قهر الشهوات الفانية وألحق نفسي بمنازل النفوس الباقية واجعلها من جملة الجواهر الشريفة الغالية في جنات عالية سبحانك اللهم سابق الموجودات التي تنطق بألسنة الحال والمقال إنك المعطي كل شيء منها ما هو مستحقه بالحكمة‏.‏

وجاعل الوجود لها بالقياس إلى عدمها نعمة ورحمة فالذوات منها والأعراض مستحقة بآلائك شاكرة فضائل نعمائك وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم سبحانك اللهم وتعاليت إن اللَّه الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد اللَّهم إنك قد سجنت نفسي في سجن من العناصر الأربعة ووكلت بافتراسها سباعاً من الشهوات اللَّهم جد لها بالعصمة وتعطف عليها بالرحمة التي هي بك أليق وبالكرم الفائض الذي هو منك أجد وأخلق وامنن عليها بالتوبة العائدة بها إلى عالمها السماوي وعجل لها بالأوبة إلى مقامها القدسي وأطلع على ظلمائها شمساً من العقل الفعال وأمط عنها ظلمات الجهل الضلال واجعل ما في قواها بالقوة كامناً بالفعل وأخرجها من ظلمات الجهل إلى نور الحكمة وضياء العقل اللَّه ولي الذين آمنوا أخرجهم من الظلمات إلى النور اللهم أر نفسي صور الغيوب الصالحة في منامها وبدلها من الأضغاث برؤيا الخيرات والبشرى الصادقة في أحلامها وطهرها من الأوساخ التي تأثرت بها عن محسوساتها وأوهامها وأمط عنها كدر الطبيعة وأنزلها في عالم النفوس المنزلة الرفيعة اللَّه الذي هداني وكفاني وآواني‏.‏

ومن شعر أبي نصر الفارابي قال لما رأيت الزمان نكسا وليس في الصحبة انتفاع كل رئيس به ملال وكل رأس به صداع لزمت بيتي وصنت عرضاً به من العزة اقتناع أشرب مما اقتنيت راحاً لها على راحتي شعاع لي من قواريرها ندامى ومن قراقيرها سماع وأجتني من حديث قوم قد أقفرت منهم البقاع وقال أيضاً فما الدار دار خلود لنا ولا المرء في الأرض بالمعجز وهل نحن إلا خطوط وقعن على كرة وقع مستوفز ينافس هذا لهذا على أقل من الكلم الموجز محيط السماوات أولى بنا فكم ذا التزاحم في المركز ولأبي نصر الفارابي من الكتب شرح كتاب المجسطي لبطليموس شرح كتاب البرهان لأرسطوطاليس شرح كتاب الخطابة لأرسطوطاليس شرح المقالة الثانية والثامنة من كتاب الجدل لأرسطوطاليس شرح كتاب المغالطة لأرسطوطاليس شرج كتاب القياس لأرسطو طاليس وهو الشرح الكبير شرح كتاب باريمينياس لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب المقولات لأرسطوطاليس على جهة التعليق كتاب المختصر الكبير في المنطق كتاب المختصر الصغير في المنطق على طريقة المتكلمين كتاب المختصر الأوسط في القياس كتاب التوطئة في المنطق شرح كتاب إيساغوجي لفرفوريوس إملاء في معاني إيساغوجي كتاب القياس الصغير ووجد كتابه هذا مترجماً بخطه إحصاء القضايا والقياسات التي تستعمل على العموم في جميع الصنائع القياسية كتاب شروط القياس كتاب البرهان كتاب الجدل كتاب المواضع المنتزعة من المقالة الثامنة في الجدل كتاب المواضع المغلطة كتاب اكتساب المقدمات وهي المسماة بالمواضع وهي التحليل كلام في المقدمات المختلطة من وجودي وضروري كلام في الخلاء صدر لكتاب الخطابة شرح كتاب السماع الطبيعي لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب السماء والعالم لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح كتاب الآثار العلوية لأرسطوطاليس على جهة التعليق شرح مقالة الإسكندر الأفروديسي في النفس على جهة التعليق شرح صدر كتاب الأخلاق لأرسطوطاليس كتاب في النواميس كتاب إحصاء العلوم وترتيبها كتاب الفلسفتين لفلاطن وأرسطوطاليس مخروم الآخر كتاب المدينة الفاضلة والمدينة الجاهلة والمدينة الفاسقة والمدينة المبدلة والمدينة الضالة ابتدأ بتأليف هذا الكتاب ببغداد وحمله إلى الشام في آخر سنة ثلاثين وثلاثمائة وتممه بدمشق في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وحرره ثم نظر في النسخة بعد التحرير فأثبت فيها الأبواب ثم سأله بعض الناس أن يجعل له فصولاً تدل على قسمة معانيه فعمل الفصول بمصر في سنة سبع وثلاثين وهي ستة فصول كتاب مبادي آراء المدينة الفاضلة كتاب الألفاظ والحروف كتاب الموسيقا الكبير ألفه للوزير أبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي كتاب في إحصاء الإيقاع كلام له في النقلة مضافاً إلى الإيقاع كلام في الموسيقا مختصر فصول فلسفية منتزعة من كتب الفلاسفة كتاب المبادئ الإنسانية كتاب الرد على الرازي في العلم الإلهي كتاب الرد على جالينوس فيما تأوله من كلام أرسطوطاليس على غير معناه كتاب الرد على ابن الراوندي في أدب الجدل كتاب الرد على يحيى النحوي فيما رد به على أرسطوطاليس كتاب الرد على الرازي في العلم الإلهي كتاب الواحد والوحدة كلام له في الحيز والمقدار كتاب في العقل صغير كتاب في العقل كبير كلام له في معنى اسم الفلسفة كتاب الموجودات المتغيرة الموجودة بالكلام الطبيعي كتاب شرائط البرهان كلام له شرح المستعلق من مصادر المقالة الأولى والخامسة من إقليدس كلام في اتفاق آراء أبقراط وأفلاطن رسالة في التنبيه على أسباب السعادة كلام في الجزء وما لا يتجزأ‏.‏

كلام في اسم الفلسفة وسبب ظهورها وأسماء المبرزين فيها وعلى من قرأ منهم كلام في الجن كلام في الجوهر كتاب في الفحص المدني كتاب السياسات المدنية ويعرف بمبادئ الموجودات كلام في الملة والفقه مدني كلام جمعه من أقاويل النبي # يشير فيه إلى صناعة المنطق كتاب في الخطابة كبير عشرون مجلداً رسالة في قواد الجيوش كلام في المعايش والحروب كتاب في التأثيرات العلوية مقالة في الجهة التي يصح عليها القول بأحكام النجوم كتاب في الفصول المنتزعة للاجتماعات كتاب في الحيل والنواميس كلام له في الرؤيا كتاب في صناعة الكتابة شرح كتاب البرهان لأرسطوطاليس على طريق التعليق أملاه على إبراهيم بن عدي تلميذ له بحلب كلام له في العلم الإلهي شرح المواضع المستغلقة من كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس ويعرف بتعليقات الحواشي كلام في أعضاء الحيوان كتاب مختصر جميع الكتب المنطقية كتاب المدخل إلى المطنق‏.‏

كتاب التوسط بين أرسطوطاليس وجالينوس كتاب غرض المقولات كلام له في الشعر والقوافي شرح كتاب العبارة لأرسطوطاليس على جهة التعليق تعاليق على كتاب القياس كتاب في القوة المتناهية وغير المتناهية تعليق له في النجوم كتاب في الأشياء التي يحتاج أن تعلم قبل الفلسفة فصول له مما جمعه من كلام القدماء كتاب في أغراض أرسطوطاليس في كل واحد من كتبه كتاب المقاييس مختصر كتاب الهدى كتاب في اللغات كتاب في الاجتماعات المدنية كلام في أن حركة الفلك دائمة كلام فيما يصلح أن يذم المؤدب كلام في المعاليق والجون وغير ذلك كلام في لوازم الفلسفة مقالة في وجوب صناعة الكيمياء والرد على مبطليها مقالة في أغراض أرسطوطاليس في كل مقالة من كتابه الموسوم بالحروف وهو تحقيق غرضه في كتاب ما بعد الطبيعة كتاب في الدعاوى المنسوبة إلى أرسطوطاليس في الفلسفة مجردة من بياناتها وحججها تعاليق في الحكمة كلام أملاه على سائل سأله عن معنى ذات ومعنى جوهر ومعنى طبيعة كتاب جوامع السياسة مختصر كتاب بايريمنياس لأرسطوطاليس كتاب المدخل إلى الهندسة الوهمية مختصراً كتاب عيون المسائل على رأي أرسطوطاليس وهي مائة وستون مسألة جوابات لمسائل سئل عنها وهي ثلاث وعشرون مسألة كتاب أصناف الأشياء البسيطة التي تنقسم إليها القضايا في جميع الصنائع القياسية جوامع كتاب النواميس لفلاطن كلام من إملائه وقد سئل عما قال أرسطوطاليس في الحار تعليقات أنالوطيقا الأول لأرسطوطاليس كتاب شرائط اليقين رسالة في ماهية النفس كتاب السماع الطبيعي‏.‏

 عيسى الرقي

كان طبيباً مشهوراً في أيامه عارفاً بالصناعة الطبية حق معرفتها وله أعمال فاضلة ومعالجات بديعة وكان في خدمة سيف الدولة بن حمدان ومن جملة أطبائه وقال عبيد اللَّه بن جبرئيل حدثني من أثق بقوله أن سيف الدولة كان إذا أكل الطعام حضر على مائدته أربعة وعشرون طبيباً قال وكان فيهم من يأخذ رزقين لأجل تعاطيه علمين ومن يأخذ ثلاثة لتعاطيه ثلاثة علوم وكان من جملتهم عيسى الرقي المعروف بالتفليسي وكان مليح الطريقة وله كتب في المذهب وغيرها وكان ينقل من السرياني إلى العربي ويأخذ أربعة أرزاق رزقاً بسبب الطب ورزقاً بسبب النقل ورزقين بسبب علمين آخرين‏.‏

 اليبرودي

هو أبو الفرج جورجس بن يوحنا بن سهل بن إبراهيم من النصارى اليعاقبة وكان فاضلاً في صناعة الطب عالماً بأصولها وفروعها معدوداً من جملة الأكابر من أهلها والمتمرنين من أربابها دائم الاشتغال محباً للعلم مؤثراً للفضيلة‏.‏

حدثني شرف الدين بن عنين رحمه اللَّه أن اليبرودي كان لايمل الاشتغال ولا يسأم منه قال وكان أبداً سائر أوقاته لا يوجد إلا معه كتاب ينظر فيه‏.‏

حدثني أحد النصارى بدمشق وهو السني البعلبكي الطبيب قال كان مولد اليبرودي ومنشؤه في صدر عمره بيبرود وهي ضيعة كبيرة قريبة من صيدنايا وبها نصارى كثير وكان اليبرودي بها كسائر أهلها النصارى من معاناتهم الفلاحة وما يصنعه الفلاحون وكان أيضاً يجمع الشيح من نواحي دمشق القريبة من جهته ويحمله على دابة ويأتي به إلى داخل دمشق يبيعه للذين يقدونه في الأفران وغيرها وأنه لما كان في بعض المرات وقد عبر من باب توما بدمشق ومعه حمل شيح رأى شيخاً من المتطببين وهو يفصد إنساناً قد عرض له رعاف شديد من الناحية المسامتة للموضع الذي ينبعث منه الدم فوقف ينظر إليه ثم قال له لم تفصد هذا ودمه يجري من أنفه بأكثر مما يحتاج إليه بالفصد فعرفه أن ذلك إنما يفعله لينقطع الدم الذي ينبعث من أنفه لكونه يجتذبه إلى مسامتة الجهة التي ينبعث منها فقال له إذا كان الأمر على ما تقول فإننا في مواضعنا قد اعتدنا أنه متى كان نهر جار وأردنا أن نقطع الماء عنه فإننا نجعل له مسيلاً إلى ناحية أخرى مسامتة له فينقطع من ذلك الموضع ويعود إلى الموضع الآخر فأنت لم لا تفعل هكذا أيضاً وتفصد من الناحية الأخرى ففعل ذلك وانقطع الرعاف عن الرجل وإن ذلك الطبيب لما رأى من اليبرودي حسن نظر فيما سأل عنه قال له لو أنك تشتغل بصناعة الطب جاء منك طبيب جيد فمال اليبرودي إلى قوله وتاقت نفسه إلى العلم وبقي متردداً إلى الشيخ في أوقات وهو يعرفه ويريه أشياء من المداواة‏.‏

ثم إنه ترك يبرود وما كان يعانيه وأقام بدمشق يتعلم صناعة الطب ولما تبصر في أشياء منها وصارت له معرفة بالقوانين العلمية وحاول مداواة المرضى ورأى اختلاف الأمراض وأسبابها وعلاماتها وتفنن معالجاتها وسأل عمن هو إمام في وقته بمعرفة صناعة الطب والمعرفة بها جيداً فذكروا له أن ببغداد أبا الفرج بن الطيب كاتب الجاثليق وأنه فيلسوف متفنن وله خبرة وفضل في صناعة الطب وفي غيرها من الصنائع الحكمية فتأهب للسفر وأخذ سواراً كان لأمه لنفقته وتوجه إلى بغداد وصار ينفق عليه ما يقوم بأوده ويشتغل على ابن الطيب إلى أن مهر في صناعة الطب وصارت له مباحثات جيدة ودراية فاضلة في هذه الصناعة واشتغل أيضاً بشيء من المنطق والعلوم الحكمية ثم عاد إلى دمشق وأقام بها‏.‏

ونقلت أيضاً قريباً من هذه الحكاية المتقدمة وإن كانت الرواية بينهما مختلفة عن شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد بن الياس بن المطران قال حدثني أبي قال حدثني أبو الفرج بن الحديد قال حدثني أبو الكرم الطبيب عن أبيه أبي الرجاء عن جده قال كان بدمشق فاصد يقال له أبو الخير ولم يكن من المهرة فكان من أمره أن فصد شاباً فوقعت الفصدة في الشريان فتحير وتبلد وطلب قطع الدم فلم يقدر على ذلك فاجتمع الناس عليه وفي أثناء ذلك اطلع صبي عليه فقال يا عماه افصده في اليد الأخرى فاستراح إلى كلامه وفصده من يده الأخرى فقال شد الفصد الأول فشده ووضع لازوقاً كان عنده عليه وشده فوقف جرية الدم ثم مسك الفصدة الأخرى فوقف الدم وانقطع الجميع ووجد الصبي يسوق دابة عليها حمل شيح فتشبث به وقال من أين لك ما أمرتني به قال أنا أرى أبي في وقت سقي الكرم إذا انفتح شق من النهر وخرج الماء منه بحدة لا يقدر على إمساكه دون أن يفتح فتحاً آخر ينقص به الماء الأول الواصل إلى ذلك الشق ثم يسده بعد ذلك قال فمنعه الجرائحي من بيع الشيح واقتطعه وعلمه الطب فكان منه اليبرودي من مشاهير الأطباء الفضلاء أقول وكانت لليبرودي مراسلات إلى ابن رضوان بمصر وإلى غيره من الأطباء المصريين وله مسائل عدة إليهم طبية ومباحثات دقيقة وكتب بخطه شيئاً كثيراً جداً من كتب الطب ولا سيما من كتب جالينوس وشروحها وجوامعها وحدثني أيضاً السني البعلبكي إن اليبرودي عبر يوماً في سوق جيرون بدمشق فرأى إنساناً وقد بايع على أن يأكل أرطالاً من لحم فرس مسلوق مما يباع في الأسواق فلما رآه وقد أمعن في أكله بأكثر مما يحتمله قواه ثم شرب بعده فقاعاً كثيراً وماء بثلج واضطربت أحواله تفرس فيه أنه لا بد أن يغمى عليه وأن يبقى في حالة يكون الموت أقرب إليه إن لم يتلاحق فتبعه إلى المنزل الذي له واستشرف إلى ماذا يؤول أمره فلم يكن إلا أيسر وقت وأهله يصيحون ويضجون بالبكاء ويزعمون أنه قد مات فأتى إليهم وقال أنا أبرئه وما عليه بأس ثم إنه أخذه إلى حمام قريب من ذلك الموضع وفتح فكيه كرهاً بشيء ثم سكب في حلقه ماء مغلياً وقد أضاف إليه أدوية مقيئة ولافى الغاية وقيأه برفق ثم عالجه وتلطف في مدواته حتى أفاق وعاد إلى صحته فتعجب الناس منه في ذلك الفعل وحسن تأتيه ألى مدواة ذلك الرجل واشتهرت عنه هذه القضية وتميز بعدها‏.‏

أقول وهذه الحكاية التي قصد اليبرودي أن يتتبع أحوال ذلك الرجل فيها ويشاهد ما يكون من أمره أن يكون عنده من ذلك معرفة بالأعراض التي تحدث له وأن ينقذه أيضاً مما وقع فيه إن أمكنه معاجلته ومعالجته ومثل ذلك أيضاً ما حكاه أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الأشعث رحمه اللّه في كتاب الغاذي والمغتذي وذلك أنه قال إن إنساناً رأيته يوماً وقد بايع أن يأكل جزراً قدره بحد ما فحضرت أكله لأرى ما يكون من حاله لا رغبة مني لمجالسة من هذه حاله ولا لأن لي بذلك عادة وللّه الحمد بل لأرى إيراد الغذاء على المعدة قسراً إلى ماذا يؤول هذا الفعل فرأيته يأكل من حائط ليرى من حوله ويضاحكهم حتى إذا مر على الأكثر مما كان بين يديه رأيت الجزر ممضوغاً قد خرج من حلقه ملتفاً متحبلاً متعجناً بريقه وقد جحظت عيناه وانقطع حسه وأحمر لونه ودرت وداجاه وعروق رأسه واربد وكمد وجهه وعرض له من التهوع أكثر مما عرض له من القذف حتى رمى من ذلك الذي أكله شيئاً كثيراً فزكنت أن انقطاع نفسه لدفع المعدة حجابه إلى نحو الفم ومنعها إياه من الرجوع إلى الانبساط للتنفس وأما ما عرض للونه من الاحمرار ودرور وداجيه وعروقه فزكنت أنه لإقبال الطبيعة نحو رأسه كما يعرض لمن شدت يده للفصد أن تقبل الطبيعة نحو الجهة التي استنهضت نحوها وأما ما عرض بعد ذلك لوجهه من الاربداد والكمودة فزكنت أيضاً لسوء مزاج قلبه وأنه لو لم يخرج ما خرج ودافعت المعدة حجابه هذه المدافعة التي قد عاقته البتة عن التنفس عرض له الموت بالاختناق كما قد رأينا ذلك في عدد كثير ماتوا بعقب القذف وأما ما عرض له من التهوع أكثر مما عرض له من القذف فزكنت من ذلك أن التهوع لشدة اضطراب المعدة قال بن أبي الأشعث بعد ذلك إن الغذاء إذا حصل في المعدة وهو كثير الكمية تمددت تمدداً يبسط سائر غضونها كما رأيت ذلك في سبع شرحته حياً بحضرة الأمير الغضنفر وقد استصغر بعض الحاضرين معدته فتقدمت بصب الماء في فيه فما زلنا نصب في حلقه دورقاً بعد آخر حتى عددنا من الدوارق عدداً كان مقدار ما حوت نحو أربعين رطلاً ماء فنظرت إذ ذاك إلى الطبقة الداخلة وقد امتدت حتى صار لها سطح مستو ليس بدون إستواء الخارج ثم شققتها فلما اجتمعت عند خروج الماء منها عاد غضون الداخلة والبواب يشهد اللّه في جميع ذلك لا يرسل نفسه‏.‏

وحدثني الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد ابن الياس بن المطران قال حدثني أبي عن خالي أبي الفرج بن حيان قال حدثني أبو الكرم الطبيب قال حدثني أبي عن أبيه قال كنت يوماً أساير الشيخ أبا الفرج اليبرودي إذ اعترضه رجل فقال يا سيدي كنت في صناعتي هذه في الحمام وحلقت رأسي وأجد الآن في وجهي كله انتفاخاً وحرارة عظيمة قالفنظرنا إلى وجهه فوجدناه يربو وينتفخ وتزيد حمرته بغير توقف ولا تدريج قال فأمره أن يكشف رأسه ويلقي به الماء الجاري من قناة كانت بين يديه وكان الزمان إذ ذاك صميم الشتاء وغاية البرد ثم لم يزل واقفاً حتى بلغ ما أراد مما أمر به ثم أمر الرجل بالانصراف وأشار عليه بالأوفق له وهو تلطيف التدبير واستعمال النقوع الحامض مبرداً وقطع الزفر قال فامتنع أن يحدث له شراً ما‏.‏

وقال الطرطوشي في كتاب سراج الملوك حدثني بعض الشاميين أن رجلاً خبازاً بينما هو يخبز في تنوره بمدينة دمشق إذ عبر عليه رجل يبيع المشمش فاشترى منه وجعل يأكله بالخبز الحار فلما فرغ سقط مغشياً عليه فنظروا فإذا هو ميت فجعلوا يتربصون به ويحملون له الأطباء فيلتمسون دلائله ومواضع الحياة منه فلم يجدوا فقضوا بموته فغسل وكفن وصلي عليه وخرجوا به إلى الجبانة فبينما هم في الطريق على باب البلد فاستقبلهم رجل طبيب يقال له اليبرودي وكان طبيباً ماهراً حاذقاً عارفاً بالطب فسمع الناس يلهجون بقضيته فاستخبرهم عن ذلك فقصوا عليه قصته فقال حطوه حتى أراه فحطوه فجعل يقلبه وينظر في أمارات الحياة التي يعرفها ثم فتح فمه وسقاه شيئاً أو قال حقنه فاندفع ما هنالك فسيل فإذا الرجل قد فتح عينيه وتكلم وعاد كما كان إلى حانوته‏.‏

وتوفي اليبرودي بدمشق في أربعمائة ودفن في كنيسة اليعاقبة بها عند باب توما حدثني الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عن موفق الدين أسعد بن الياس بن المطران قال حدثني خالي قال حدثني أبي قال حدثني عبد اللّه بن رجا بن يعقوب قال حدثني ابن الكتاني وهو إذ ذاك متصرف في أعمال السلطان يومئذ بدمشق قال بلغني أن أبا الفرج جورجس بن يوحنا اليبرودي لما توفي ظهر في تركته ثلثمائة مقطع رومي مجوم لباب واحد وخمسمائة قطعة فضة ألطفها ثلثمائة درهم قال موفق الدين بن المطران وليس ذلك بكثير لأن الشخص متى تحققت أعماله وصفت نيته وطلب الحق وعامل الصحيح واجتهد في معرفة صناعته كان حقاً على اللّه تعالى أن يرزقه ومتى كان بالضد عاش فقيراً ومات يائساً ولليبرودي من الكتب مقالة في أن الفرخ أبرد من الفروج نقض كلام ابن الموفقي في المسائل ترددت فيما بينهم في النبض‏.‏

 جابر بن منصور السكري

من أهل موصل وكان مسلماً ديناً عالماً بصناعة الطب من أكبر المتميزين فيها وكان قد لحق أحمد بن أبي الأشعث وقرأ عليه ثم لازم محمد ابن ثواب تلميذ ابن أبي الأشعث وقرأ عليه وذلك في نحو سنة ستين وثلثمائة واشتهر بصناعة الطب وأعمالها وعمر وكان أكثر مقامه بمدينة الموصل وإنما ابنه ظافر انتقل إلى الشام وأقام بها‏.‏

 ظافر بن جابر السكري

هو أبو حكيم ظافر بن جابر بن منصور السكري كان مسلماً فاضلاً في الصناعة الطبية متقناً للعلوم الحكمية متحلياً بالفضائل وعلم الأدب محباً للاشتغال والتضلع بالعلوم وكان قد لقي أبا الفرج بن الطيب ببغداد واجتمع به واشتغل معه وكان ظافر بن جابر قد عمر مثل أبيه وكان موجوداً في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة وهو موصلي وإنما انتقل من الموصل إلى مدينة حلب وأقام بحلب إلى آخر عمره ومن خلفه جماعة مشتغلين بصناعة الطب ومقامهم بحلب‏.‏

ومن شعره ما زلت أعلم أولاً في أول حتى علمت بأنني لا علم لي ومن العجائب أن أكون جاهلاً من حيث كوني أنني لا أجهل ولظافر بن جابر من الكتب مقالة في أن الحيوان يموت مع أن الغذاء يخلف عوض ما يتحلل منه‏.‏

 موهوب بن الظافر

هو أبو الفضل موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري كان فاضلاً أيضاً في صناعة الطب مشهوراً متميزاً وكان مقيماً بمدينة حلب ولموهوب بن ظافر من الكتب اختصار كتاب المسائل لحنين بن إسحق‏.‏

 جابر بن موهوب

هو جابر بن موهوب بن ظافر بن جابر بن منصور السكري كان أيضاً مشهوراً في صناعة الطب خبيراً بها وأقام بحلب‏.‏

هو الشيخ الأديب الحكيم أبو الحكم عبيد اللّه بن المظفر بن عبد اللّه الباهلي الأندلسي المربي كان فاضلاً في العلوم الحكمية متقناً للصناعة الطبية متعيناً في الأدب مشهوراً بالشعر وكان حسن النادرة كثير المداعبة محباً للهو والخلاعة وكثير من شعره يوجد مراثي في أقوام كانوا في زمانه أحياء وإنما قصد بذلك اللعب والمجون وكان محباًَ للشراب مدمناً له ويعاني الخيال وكان إذا طرب يخرج في الخيال ويغني له يا صياد النحلة جاك العمل قم اخرج من بكرة هات العسل وكان يعرف الموسيقا ويلعب بالعود ويجلس على دكان في جيرون للطب ومسكنه في دار الحجارة باللبادين وله مدائح كثيرة في بني الصوفي الذين كانوا رؤساء دمشق والمتحكمين فيها وذلك في أيام مجير الدين أبق بن محمد بن بوري بن أتابك طغتكين وسافر أبو الحكم إلى بغداد والبصرة وعاد إلى دمشق وأقام بها إلى حين وفاته وتوفي رحمه اللّه لساعتين خلتا من ليلة الأربعاء سادس ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة بدمشق وقال أبو الفضل بن الملحي وكتب بها إلى أبي الحكم في أثناء كتاب كتبه إليه شاكراً لفعله إذا ما جزى اللّه امرءاً بفعاله فجازى الأخ البر الحكيم أبا الحكم هو الفيلسوف الفرد والفاضل الذي أقر له بالحكمة العرب والعجم فينتاشني من قبضة الدهر بعدما ألم بأنواع من الضر والألم وبوأني من رأيه خير معقل فبرّأ من ضري وأبرا من السقم وما زال يهديني إلى كل منهج بآراء مفضال له سنّها الكرم يضيء سنا أفكارها فكأنها شموس جلا إشراقها حندس الظلم وقام بأمري إذ تقاعد أسرتي مقام أبي في كرمتي أو مقام أم وأنقض ظهري ما تحامل ثقله ووكل بي طرفاً إذا نمت لم ينم وضم ولم يمنن لجسمي شفاءه فلولاه قد أصبحت لحماً على وضم فأصبح سلمي الدهر بعد حروبه عليه سلام اللّه ما أورق السلم وكان أبو الحكم يهاجي جماعة من الشعراء الذين كانوا في وقته ويهاجونه وللعرقلة وهو أبو الندى حسان بن نمير الكلبي يهجو أبا الحكم لنا طبيب شاعر أشتر أراحنا من شخصه اللّه ما عاد في صبحة يوم فتى إلا وفي باقيه رثاه وقال أيضاً فيه‏:‏ شيخاً يرى الصلوات الخمس نافلة ويستحل دم الحجاج في الحرم أقول وصف العرقلة لأبي الحكم في هجوه إياه بأنه أشتر العين له سبب وهو أن أبا الحكم خرج ليلة وهو سكران من دار زين الملك أبي طالب بن الخياط فوقع فانشج وجهه فلما أصبح زاره الناس يسألونه كيف وقع فكتب هذه الأبيات وتركها عند رأسه فكان إذا سأله إنسان يعطيه الأبيات يقرؤها وقعت على رأسي وطارت عمامتي وضاع شِمَشْكي وانبطحت على الأرض وقمت وأسراب الدماء بلحيتي ووجهي وبعض الشر أهون من بعض قضى اللّه أني صرت في الحال هتكة ولا حيلة للمرء فيما به يقضي ولا خير في قصف ولا في لذاذة إذا لم يكن سكر إلى مثل ذا يفضي وأخذ المرآة فرأى الجرح في وجهه غائراً تحت الجفن بعد وقعته فقال رك النبيذ بوجنت جرحاً ككس النعجة ووقعت منبطحاً على وجهي وطارت عمتي وبقيت منهتكاً فلو - - لا الليل بانت سوءتي وعلمت أن جميع ذ لك من تمام اللذة ومن شعر أبي الحكم وديوان شعره هو روايتي عن الشيخ شمس الدين أبي الفضل المطواع الكحال عن الحكيم أمين الدين أبي زكريا يحيى البياسي عن أبي المجد عن والده أبي الحكم المذكور قال يمدح الرئيس مؤيد الدين أبا الفوارس بن الصوفي رقت لما بي إذا رأت أوصابي وشكت فقصر وجدها عما بي ما ضر يا ذات اللما الممنوع لو ذاويت حر جوى ببرد رضاب من هائم في حبكم متقنع بمرار طيف أو برد جواب أن تسعفي بالقرب منك فإنما تحيين نفساً آذنت بذهاب لا تنكري إن بان صبري بعدكم واعتادني ولهي لعظم مصابي فالصبر في كل المواطن دائماً مستحسن إلا عن الأحباب هيهات أن يصفو الهوى لمتيم لا بد من شهد هناك وصاب ما لي وللحدق المراض تذيبني أترى لحيني وكلت بعذابي وكذا العيون النجل قدماً لم تزل من شأنها الفتكات بالألباب ما لي وحظي لا يني متباعداً أدعو فلا أنفك غير مجاب فلقد غدا فرضاًَ مديح مؤيد الدين الهمام على ذوي الآداب من قيس عيلان نمته هوازن وسليم البادون في الأعراب والبيت من أبناء صعصعة سما بنيانه في جعفر بن كلاب وبنو ربيعة إن نسبت وخالد منهم عوف في ذوي الأنساب منهم لبيد والطفيل وعامر وأبو براء هازم الأحزاب ورث العلا منهم بنو الصوفي إذ قرنوا الأيادي الغر في الأحساب وحوى المسيب ما به افتخروا كما حازت فذلك جمع كل حساب في ذروة الشرف الرفيع سما به مجد قديم من صميم لباب وأحل أندية المكارم ناشئاً فسما على القرناء والأضراب ما مفعم لجب طمى آذيه وأمده منهلّ صوب سحاب بأعم سيباً من نوال بنانه أو مزبد ذو زخرة وعباب لليث صولته على أعدائه بل دونه إن صال ليث الغاب حسبي بما نسبوا إليه وإن غدت أسماؤهم تغني عن الألقاب أكرم بهم عرباً إذ افتخر الورى جاؤوا بخير أرومة ونصاب شادوا العلا بندى وعز باذخ ومشارع للمعتفين عذاب قوم ترى لذوي النفاق لديهم ذل العبيد لسطوة الأرباب يا أيها المولى الذي نعماؤه مبذولة للطارق المتناب إني لأعلم أن برك بي غدا لسعادتي من أوكد الأسباب وتيقنت نفسي هناك بأنني سأرود من نعماك خير جناب لا زلت ترقى في المكارم دائماً ما لاح برق في خلال سحاب وقال أيضاً يمدح الرئيس جمال الدولة أبا الغنائم أخا الممدوح سواء علينا هجرها ووصالها إذا نكثت يوماً ورثت حبالها وما برحت ليلى تجود بوعدها ويمنع منا بذلها ونوالها ويطمعنا ميعادها في دنوها ولا وصل إلا أن يزور خيالها وما ذكرتك النفس إلا تفرقت وعاودها من بعد هدي ضلالها وما برحت تعتادني زفرة إذا طمعت لها بالبرء راث اندمالها ومن عبرات لا يني الدهر كلما دعا للهوى داع أجاب أنا لها تصدى الكرى عن مقلتيّ فتنثني دموع على الخدين يهمي انسجالها وكيف يؤاتي النوم أو يطرق الكرى جفوناً بماء المقلتين اكتحالها إذ قلت أنساها على نأي دارها تصور في عيني وقلبي مثالها ودويّة تردي المطايا تنوفة يحار القطا فيها إذا خب آلها قطعت بفتلاء الذراعين عرمس أمون قواها غير باد كلالها تؤم بنا ربع المسلم حيث لا يخيب لها سعي وينعم بالها ولولا جمال الملك ما جئتها ولا ترامت صحاريها بنا ورمالها إلى أسرة لا يجهل الناس قدرها ويحمد بين العالمين فعالها إذا أشكلت دهماء فالرأي رأيها وإن راب خطب فالمقال مقالها وبيض تقد الدارعين صوارم رهاف جلا الأطباع منها صقالها وهم يطعمون الضيف من قمع الذرى إذا ناوحت نكباء ريح شمالها فما لبني الصوفي في الناس مشبه ذوي البأس والأيدي المهاب مصالها سما لهم مجد قديم ورفعة شديد عراها لا يخاف انحلالها بني جعفر في العرب خير قبيلة سما في نزار فخرها واختيالها تقابل فيهم من سليم ذؤابة كما قابلت يمنى اليدين شمالها أيا ابن علي حزت أرفع رتبة إذا رامها من رامها لا ينالها بك الدولة الغراء تزهى على الورى وحق لها إذ أنت فيها جمالها ولو أنها أمست سناء ورفعة سماء علينا كنت أنت هلالها إذا ما ذوو الشحناء أموك خيبوا وعاد عليهم بعد ذاك وبالها سأظفر من دهري بأرغد عيشة بنعماك إن فاءت علي ظلالها فما لذوي الحاجات عنك تأخر لأنك عم المكرمات وخالها وقال يمدح عز الدولة أخا مؤيد الدين دعا بك داعي الهوى فاستجب وقصر عتابك عمن عتب فما العيش إن غيض ماء الشباب ولم يقض من طرفيه أرب وباكر معتقة زانها مرور الليالي بها والحقب كأن على كأسها لؤلؤاً إذا ما استدار عليها الحبب يطوف بها بابلي اللحاظ لذيذ المقبل عذب الشنب يقول الذي راقه حسنها أ ذي الخمر من خده تجتلب وإلا فمن أين ذا الاحمرار وهذا الصفاء لبنت العنب بنات الكروم حياة الكروم وموت الهموم محيا الطرب فقل للذي همه أن يرى كريماً ينفس عنه الكرب أكل امرئ يرتجي سيبه رويدك ما الناس فخر العرب جواد إذا أنت وفيته أمنت به حادثات النوب وفضل وبشر وجود يرا - - ه فرضاً على نفسه قد وجب فمن قاسه بفتى عصره فقد قايس الدر بالمختلب ومن قال إن امرءاً غيره حوى بعض ما حازه قد كذب وليس الذي فخره تالد كمن فخره طارف مكتسب تفاخر قيس به خندفاً وتعطيه منها أجل الرتب ولا سيما إن غدا فيهم وسيطاً بأكرم أم وأب من الجعفريين في باذخ من العز تنحط عنه الشهب وعبدك يرغب في خلعة ومثلك تشريفه يحتسب ليرفع ذلك من قدره وإن كان قارب فيما طلب ويشحذ خاطره كلما اشرأب إلي مدحكم وانتدب فلي كلما ظفرت راحتي بجود المظفر أوفى أرب ففي كل دولة أنت عز لها تنال الأماني بأدنى سبب وما العيد أنت إذا ما حضرت سواء علينا نأى أو قرب وإن غيب الغيم عنا الهلال فلسنا نبالي إذا لم تغب فدونكها حرة تجتلى يناديك قائلها من كثب أتاك بها إثر تهذيبها حكيم تنخلها وانتخب ولا خير في حكمة لا ترى مطرزة بفنون الأدب ومن مطبوع قصائده الأرجوزة التي وسمها بمعرة البيت يذكر فيها ما ينال الإنسان إذا عمل دعوة للندماء من المضرة والغرامة وهي هذه معرة البيت على الإنسان تطرا بلا شك من الإخوان فاصغ إلى قول أخي تجريب يأتك بالشرح على ترتيب جميع ما يحدث في الدعوات وكل ما فيها من الآفات فصاحب الدعوة والمسره لا بد أن يحتمل المضره أولها لا بد من ثقيل يكرهه القوم وذي تطفيل صاحبها إن قدم الطعاما يحتاج أن يحتمل الملاما وآخر هذا قليل الملح يظهر أني فطن ذو نصح ينهب ما بين يديه نهبا ويشرب الماء القراح العذبا يرى له في ذلك انتفاعاً وبعد ذلك يطلب الفقاعا بالثلج في الصيف وفي الشتاء يلتمس النار بلا استحياء وإن يعزهم أثر ذا خلال قد نسلوا الحصر ولم يبالوا وبعد هذا يحضر النبيذ الطيب المنتخب اللذيذ فواحد يقول هذا خل وآخر ذا قافز معتل وثم من يسأل عن راووق يقول لا بد من التصفيق وعند هذا تحضر البواطي ويمزج النبيذ باحتياط فواحد يقول هذا صرف ويقلب الماء ولا يكف وآخر يقول ذا ممعود فاجتنبوا الماء ولا تعودوا والنقل لا بد مع المشموم فغير مهجو ولا مسؤوم عجل وقشقل لهم الدينارا في الحال إن كنت تخاف العارا وربما قد حان منهم شطحه تعيش إن تنعموا بالصبحه وإن دعوت القوم في كانون لا بد من فحم على كانون يطير منه أبداً شرار يثبت في البسط لها آثار ويصبح البساط بعد الجده منقطعاً كشبه جلد الفهده فضلاً عن الكباب والشرائح لكل غاد منهم ورائح واعزل لهم عند انقضاء البرد مراوحاً من بعد ماء الورد وللندامى أبداً فنون يظهرها الخمر فتستبين منعماً جشعاً له بالمضغ وليس فيهم من إليه يصغي ويمسك الدور وينسى نفسه قد غيب الأدبار عنه حسه ومنهم من يزن الكلاما تراؤساً ويظهر الإعظاما ومنهم من يظهر الوضاعه تعمداً كي تضحك الجماعه منيدلا للكم أو سكِّينة أو طاسة التكعيب أو قنينة وبعضهم موكل بقلع سلاسل تسيل فوق الشمع يوهم أن يكسو بها فتيله وإنما ذلك منه حيله ولا تقل في الغمز والإيماء إذا مضى القوم لبيت الماء فإن لقوا جارية أو عبدا قد قرصوا نهداً وعضوا خدا وربما تطرق الفساد وكان من عرس الفتى انقياد أو أخته أو بنته أو ابنه لاسيما إن راقهم بحسنه وعندها قد تسمح النفوس ويطمع النديم والجليس فإنما الإنسان من لحم ودم ليس بصخر جامد ولا صنم وإن يكن فيهم أبو تلور فغير مأمون ولا معذور يأكل ما يلقاه أكلاً لما بلا اكتراث أو يجيد اللقما لا يشرب الراح مع الندامى لأنه لا يوثر المداما ثم شكوه عاجلاً للشحنة وربما تمت عليه محنة ويربح الإنسان سوء السمعة لا سيما إن كان ليل جمعة وإن فشت بينهم جراح فليس يرجى للفتى صلاح وإن تردى بينهم قتيل فذاك شيء أرشه قليل وشربهم إن كان في عِلِّية فإنه يقرّب المنية ولا تكن تنسى أذى الندمان والقيء فوق البسط في الأحيان وبعده يلتمس الطعاما ليوصل الشرب مع النداما ولا الذي يلقى من النقار إذا انتبهت وقت كنس الدار من ربة البيت إذا ما نامت وخلفها الصعب إذا ما قامت تذكره عند طلوع الشمس بكل ما دار له بالأمس هذا إذا راحوا فإن أقاموا واقتصدوا الصبوح ثم ناموا فكيف ترجو بعد ذا فلاحا إذا بدا الصبح لها ولاحا فوص أن يحفظها الغلام لكي يقل منهم الملام ولا تبال ويك بالخسارة وأكثر السرج على المنارة ومن أراد منهم الرواحا فإنه يستلب المصباحا مستصحباً في يده قرابة مملوءة يرضى بها أصحابه ولا تفكر في فراغ الزيت فكل هذا من خراب البيت فصاحب الدعوة في خسران لاسيما إن لُز بالميزان وصاحب الوقت بغير شرب أحق مخلوق بصقع الجرب يدل ما يلزمه من غرم إن الفتى لا شك دقن سرم وكان من ذا كله غنياً لو كان شهماً فطناً ذكياً معرة ما مثلها معرة تنحس من يُصْلى بها في كرة فالشرب عندي في بيوت الناس أحسن من هذا على القياس وبعد هذا كله فالتوبة أوفق ما دارت عليه النوبة فكم فيك من يوم لهوت وليلة رأيت لها وجهاً ينوب عن البدر وقال لغزاً في عبد الكريم بمهجتي يا صاح أفدي الذي تيمني تفتير عينيه صرت له ثلث اسمه طائعاً وهو بوصلي ضد ثلثيه كأنما وجنته إذا بدت أنجم خيلان بخديه هلال تم والثريا له مقلوب ما يشبه صدغيه وقال أيضاً لغزاً في اسم شفتر وهو لقب لأبي المعالي السلمي الشاعر غزال من بني الأصفر سباني طرفه الأحور لقد فضله اللّه بحسن الدل والمنظر بحق الشفع والوتر وما قد ضمنا كوثر فهذا اسم قضى الرحمن أن يلغز أو يستر وقال يهجو الطبيب المفشكل اليهودي على سبيل المرثية ألا عد عن ذكرى حبيب ومنزل وعرِّج على قبر الطبيب المفشكل وكبكبه في قعر الجحيم بوجبة كجلمود صخر حطه السيل من عل فلا زال وكاف تزجيه ديمة عليه بمنهل من السلح مسبل لقد حاز ذاك اللحد أخبث جيفة وأوضع ميت بين ترب وجندل سأسبل من بطني عليه مدامعي وأورده من مائها شر منهل لعل أبا عمران حن لشخصه وقال له أسرع إلي وعجل فما ضم بطن الأرض أنجس منهما وأنذل من رهط الغوي السموأل وقال يهجو الأديب نصير الحلبي أيضاً على سبيل المرثية وكان نصير قد اشتغل بالكتابة وتعرض للشعر والطب والنجوم يا هذه قومي اندبي مات نصير الحلبي يرحمه اللّه لقد كان طويل الذنب قد ضجت الأموات في نكهته في الترب وودهم لو عوضوا منه بلب أجرب والقوم بين صارخ وممعن في الهرب أخبث منه طينة في عجمها والعرب يا قوم ما أنجسه نصباً على التعجب أوصافه من فحشه مسطورة في الكتب وقوله لمنكر أسرف يا معذبي أما علمت أنني شيخ لأهل الأدب والنحو والحكمة والمنطق والتطبب وقال يهجو ملك النحاة لقد هب من باذهنك الورك نسيم على عارضي ذا الملك وأقبل سيل على أثره فصار على وجهه مرتبك كما درج الماء مر الصبا ودبج أفق السماء الحبك وقال يهجو أبا الوحش الشاعر إذا رمت أن أهجو أبا الوحش عاقني خلائق لؤم عنه لا تتزحزح تجاوز حد الذم حتى كأنه بأقبح ما يهجى به المرء يمدح سلقت آذانه بعنز قد أكلوا في الحجاز لحمه وقال أيضاً إذا عنيت بمحموم نظمت له بيتاً فإن زاد شيئاً عاد مفلوجا فقل لقوم رأوا طبي لهم فرجاً ليهنهم أن غدا بالشعر ممزوجا يفرح الهم عن أحشاء ذي حرق مضنى ويطعمه في الحال فروجا وقال في الشجاعة أرى الحرب تكسبني نجدة إذا خامر القلب تذكارها فإن أنا في النوم أبصرتها تبين في الفرش آثارها وقال في قصيدته التي سماها ذات المناقب ومعشر قد جعلوني قدوة يرونني فيما أعاني أوحدا تركت أعمارهم إذ ركنوا إلي في الطب كأعمار الجدا وقال أيضاً سأظهر في إصلاح شأني تغافلاً ليعذرني من ظن أني ذو جهل وأهزل مهما قلت شعراً فإن بدت به ركة يوماً أحلت على الهزل وطارق ليل أمّني بعد هجعة فمتعت جنبيه بعجزاء من سلم فلو سمعت أذناك تحتي عواءه لقلت ابن آوى عج في حندس الظلم وقلت له لولا شقاؤك لم تسر بليل ولم تحلل بربع أبي الحكم وقال لما أدركته الوفاة في ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة يا لهف نفسي إذا أدرجت في الكفن وغيبوني عن الأهلين والوطن وقيل لا يبعدن من كان ينشدنا أنا الذي نظر الأعمى فلم يرني ثم أنشد يوم الثلاثاء قبل وفاته وأمر ولده أبا المجد أن يرويها بعد موته عنه ندمت على موتي وما كان من أمري فيما ليت شعري من يرثيكم بعدي وإني لأختار الرجوع لو أنني أرد ولكن لا سبيل إلى الرد ولو كنت أدري أنني غير راجع لما كنت قد أسرعت سيراً إلى اللحد ألا هل من الموت المفرق من بد وهل لزمان قد تسلف من رد مضى الأهل والأحباب عني وودعوا وغودرت في دهماء موحشة وحدي لبعض على بعض لديكم مزية ولا يعرف المولى لدينا من العبد فها أنا قد وليته الأمر فاعلموا وعما قليل سوف أسكنه عندي ولا تقنطوا من رحمة اللَّه بعد ذا فليس لنا من رحمة اللّه من بد وأبي الحكم من الكتب ديوان شعره وسمي ديوانه هذا نهج الوضاعة‏.‏